الأحد، 19 يوليو 2015

تأملات في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ [الرعد/11].


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ [الرعد/11].


ودعونا نتجول قليلا فى التفاسير المختلفة لنفهم هذه الأية الكريمة أكثر

قال الشنقيطي: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا. والمعنى: أنه لا يسلب قوما نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {لأنفال:53.
وقوله: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}. وقد بين في هذه الآية أيضاً: أنه إذا أراد قوما بسوء فلا مرد له، وبين ذلك في مواضع أخر كقوله: وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ {الأنعام: 147}. ونحوها من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ يصدق بأن يكون التغيير من بعضهم كما وقع يوم أحد بتغيير الرماة ما بأنفسهم فعمت البلية الجميع، وقد سئل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثير الخبث. اهـ.

قال الشوكانى تعقيبا على هذا الحديث :
فليس المراد أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب ، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير
وقال الشيخ محمد رشيد علي رضا في تفسير المنار:
وأما ذنوب الأمم فعقابها في الدنيا مطرد، ولكن لها آجالا ومواقيت أطول من مثلها في ذنوب الأفراد، وتختلف باختلاف أحوالها في القوة والضعف كما تختلف في الأفراد بل أشد، فإذا ظهر الظلم واختلال النظام ونشأ الترف وما يلزمه من الفسق والفجور في أمة من الأمم تمرض أخلاقها فتسوء أعمالها وتنحل قواها، ويفسد أمرها وتضعف منعتها، ويتمزق نسيج وحدتها، حتى تحسب جميعا وهي شتى - فيغري ذلك بعض الأمم القوية بها، فتستولي عليها، وتستأثر بخيرات بلادها، وتجعل أعزة أهلها أذلة.


من ساسه الظلم بسوط بأسه *** هان عليه الذل من حيث أتى
ومن يهن هان عليه قومه *** وعرضه ودينه الذي ارتضى

وقد تتوالى عليها العقوبات فتبحث عن أسبابها، فلا تجدها بعد طول البحث إلا في أنفسها، وتعلم صدق قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى:30} ثم تبحث عن العلاج فتجده في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد:11}. وإنما يكون التغيير بالتوبة النصوح، والعمل الذي تصلح به القلوب فتصلح الأمور، كما قال العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم إذ توسل به عمر والصحابة بتقديمه لصلاة الاستسقاء بهم: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يرفع إلا بتوبة..انتهى


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا).
صحيح البخارى


فلم يدر هؤلاء أن هذا الخرق الصغير سيؤدي إن تُرك إلى هلاك الجميع ويكون معنى (أصغر خرق) هو - كما قال مصطفى صادق الرافعي - أوسع قبر.[ وحي القلم :3/8].

والحديث الشريف يبين أنه هكذا تكون حال الناس في المجتمع فإنه لا يخلو مجتمع من بعض صور المنكر والفساد التي يقدم عليها ضعاف الإيمان، وقد يلتمس بعضهم لنفسه مبرراً في ما يفعل كأن يقول هذه حرية شخصية، وأنا حر أصنع في ملكي ما أشاء، فإن قام أهل الرشد بواجبهم في إنكار هذه المنكرات والأخذ على أيدي الظالمين صلح المجتمع ونجا الجميع من غضب الله عز وجل، وأما إن تقاعسوا عن هذا الواجب وغلبت كلمة المداهنين فإن العقوبة الإلهية تعم الجميع، وتلك سنة إلهية لا تتغير، قال الحافظ: "وهكذا إقامة الحدود يحصل بـها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه، وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بـها" [فتح الباري:5 /296]، ومصداق ذلك قوله تعالى: ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)) [الأنفال:25]، وقوله صلى الله عليه وسلم :"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".




عبرة



وأخيرا لنا العبرة فى بنى إسرائيل فإنهم حين أفسدوا في الأرض مرتين، وعلَوا (طغَوا) علوًّا كبيرا، ولم يجدوا بينهم مَن ينهى عن هذا الفساد أو يقاوِمه، فسلَّط الله عليهم أعداء من الخارج، يجوسون خلال ديارهم، ويدمِّرون عليهم معابدهم، ويحرقون توراتهم، ويسومونهم سوء العذاب، ويتبِّرون ما علَوا تتبيرا، وكان وعد الله مفعولا.
ومن هنا رأينا الفساد والانحلال، مقدمة للغزو والاحتلال ، وقد هدَّدهم بمثل هذه العقوبات القدرية إذا وقع منهم مثل ذلك الإفساد في المستقبل، وذلك في قوله تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) الإسراء:8، أي إن عُدتم إلى الطغيان والعلو والإفساد عُدنا عليكم بتسليط الأعداء
منقول .

الاثنين، 13 يوليو 2015

أويس القرني وعمر بن الخطاب

حج بالناس عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين، قبيل استشهاده بأيام، 
وكان شغله الشاغل في حجه البحث عن رجل من رعيته من التابعين يريد مقابلته، 
وصعد عمر جبل أبا قبيس وأطل على الحجيج، ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد ...؟
فقام شيخ طويل اللحية من قرن، 
فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد أكثرت السؤال عن أويس هذا، وما فينا أحد اسمه أويس إلا ابن أخ لي يقال له: أويس، فأنا عمه ،
وهو حقير بين أظهرنا، خامل الذكر، وأقل مالا، وأوهن أمرا من أن يرفع إليك ذكره .
فسكت عمر- كأنه لا يريده- 
ثم قال: يا شيخ وأين ابن أخيك هذا الذي تزعم؟
أهو معنا بالحرم؟
 قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، هو معنا في الحرم، غير أنّه في أراك عرفة يرعى إبلا لنا .
فركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- على حمارين لهما، وخرجا من مكة، وأسرعا إلى أراك عرفة، ثم جعلا يتخللان الشجر ويطلبانه، فإذا هما به في طمرين من صوف أبيض، قد صف قدميه يصلي إلى الشجرة وقد رمى ببصره إلى موضع سجوده، وألقى يديه على صدره والإبل حوله ترعى-
 قال عمر لعلي- رضي الله عنهما-:
 يا أبا الحسن إن كان في الدنيا أويس القرني فهذا هو، وهذه صفته.
 ثم نزلا عن حماريهما وشدا بهما إلى أراكه ثم أقبلا يريدانه.
فلما سمع أويس حسّهما أوجز في صلاته، ثم تشهّد وسلم وتقدما إليه فقالا له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. 
فقال أويس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال عمر- رضي الله عنه-:
 من الرجل؟
 قال: راعي إبل وأجير للقوم، 
فقال عمر: ليس عن الرعاية أسألك ولا عن الإجارة، إنما أسألك عن اسمك، فمن أنت يرحمك الله؟
 فقال: أنا عبد الله وابن أمته،
 فقالا: قد علمنا أنّ كل من في السموات والأرض عبيد الله ...، وإنّا لنقسم عليك إلا أخبرتنا باسمك الذي سمّتك به أمّك ...، 
قال: يا هذان ما تريدان إلي؟
 أنا أويس بن عبد الله. فقال عمر رضي الله عنه :الله أكبر، يجب أن توضح عن شقك الأيسر، قال: وما حاجتكما إلى ذلك ؟
 فقال له علي- رضي الله عنه-: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفك لنا،
 وقد وجدنا الصفة كما خبرنا، غير أنّه أعلمنا أن بشقك الأيسر لمعة بيضاء كمقدار الدينار أو الدرهم، ونحن نحب أن ننظر إلى ذلك، 
فأوضح لهما ذلك عن شقه الأيسر.
فلما نظر علي وعمر- رضي الله عنهما- إلى اللمعة البيضاء ابتدروا أيهما يقبل قبل صاحبه،
 وقالا: يا أويس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرئك منه السلام،
 وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا، فإن رأيت أن تستغفر لنا- يرحمك الله- فقد أخبرنا بأنك سيد التابعين،
 وأنّك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر .
فبكى أويس بكاء شديدا، 
ثم قال: عسى أن يكون ذلك غيري،
 فقال علي- رضي الله عنه-: إنا قد تيقنا أنك هو، 
لا شك في ذلك، 
فادع الله لنا رحمك الله بدعوة وأنت محسن.
 فقال أويس: ما أخص باستغفار نفسي، ولا أحد من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في ظلم الليل وضياء النهار، 
ولكن من أنتما يرحمكما الله؟
 فإني قد خبرتكما وشهرت لكما أمري،
 ولم أحب أن يعلم بمكاني أحد من الناس، 
فقال علي- رضي الله عنه-: أما هذا فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-،
 وأما أنا فعلي بن أبي طالب،
 فوثب أويس فرحا مستبشرأ فعانقهما وسلم عليهما ورحب بهما، 
وقال:جزاكما الله عن هذه الأمة خيرا. 
قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا.
ثم قال أويس: ومثلي يستغفر لأمثالكما؟
 فقالا: نعم، إنا قد احتجنا إلى ذلك منك، فخصّنا- رحمك الله- منك بدعوة حتى نؤمن على دعائك، فرفع أويس! رأسه،
 وقال!:اللهم إنّ هذين يذكران أنهما يحباني فيك، وقد رأوني فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيهما محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر- رضي الله عنه- مكانك- رحمك الله- حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي، فإني أراك رث الحال،
 هذا المكان الميعاد بيني وبينك غدا. 
فقال: يا أمير المؤمنين، لا ميعاد بيني وبينك،
 ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفني. 
ما أصنع بالنفقة؟ 
وما أصنع بالكسوة؟
 أما ترى عليَّ إزارا من صوف ورداءاً من صوف؟ متى أراني أخلِفهما؟
 أما ترى نعليَّ مخصوفتين، متى تُراني أبليهما؟ ومعي أربعة دراهم أخذت من رعايتي متى تُراني آكلها ...؟
يا أمير المؤمنين: إنّ بين يدي عقبة لا يقطعها إلاّ كل مخف مهزول ...، فأخف- يرحمك الله- يا أبا حفص، إن الدنيا غرارة غدارة، زائلة فانية،
 فمن أمسى وهمته فيها اليوم مد عنقه إلى غد، ومن مد عنقه إلى غد أعلق قلبه بالجمعة، 
ومن أعلق قلبه بالجمعة لم ييأس من الشهر، 
ويوشك أن يطلب السنة، وأجله أقرب إليه من أمله، ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدأ من مجاورة الجبار، وجرت من تحت منازله الثمار.
فلما سمع عمر- رضي الله عنه- كلامه ضرب بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، ليتها عاقر لم تعالج حملها.
 ألا من يأخذها بما فيها ولها؟
فقال أويس: يا أمير المؤمنين! 
خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا.
 ومضى أويس يسوق الإبل بين يديه، وعمر وعلي- رضي الله عنهما- ينظران إليه حتى غاب فلم يروه، وولىّ عمر وعلي- رضي الله عنهما- نحو مكة وحديث فضل أويس القرني، وأنّه لو أقسم على الله لأبرّه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر-رضي الله عنه- : ( إن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) ثابت في صحيح مسلم وغيره .
[  إذا نافسك الناس على الدنيا أتركها لهم ،
 وإن نافسوك على الآخرة ، فكن انت أسبقهم ؛ 
فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ،
 ولا يعطي الآخرة إلا لمن احب"
طابت اوقاتكم في طاعة الله
كم من مشهور في الأرض
 مجهول في السماء "
وكم من مجهول في الأرض
" معروف في السماء "
المعيار التقوى وليس الأقوى

السبت، 4 يوليو 2015

زكاة الفطر





زكاة الفطر

إخراج زكاة الفطر نقداً 

السؤال 
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من الطعام ، وذلك لحاجة الناس الآن إلى النقد أكثر من الطعام ؟ 

الجواب 
المجيب : أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان 


إخراج القيمة في زكاة الفطر اختلف فيها العلماء على قولين : 
الأول : المنع من ذلك . قال به الأئمة الثلاثة مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وقال به الظاهرية أيضاً ، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر في الصحيحين " فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من بر ، أو صاعاً من شعير ،(وفي رواية أو صاعاً من أقط)، على الصغير والكبير من المسلمين . ووجه استدلالهم من الحديث : لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وأيضاً نص في الحديث الآخر " أغنوهم في هذا اليوم"، وقالوا: غنى الفقراء في هذا اليوم يوم العيد يكون فيما يأكلون حتى لا يضطروا لسؤال الناس الطعام يوم العيد . 
والقول الثاني : يجوز إخراج القيمة ( نقوداً أو غيرها ) في زكاة الفطر ، قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وقال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " ، وقال الحسن البصري : " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر " ، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة : أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم ، وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير .
ومما سبق يتبين أن الخلاف قديم وفي الأمر سعة ، فإخراج أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في ذلك اليوم يوم العيد ، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم ، ولعل حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " أغنوهم في هذا اليوم" ، يؤيد هذا القول ؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه .. ، ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث ، هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم . والله أعلم .

الجمعة، 3 يوليو 2015

الزهد واليقين

امل من الجميع قراءة المقاله التاليه عدة مرات لاهميتها
سر عظيم سيغير حياتك ..!!
عبدالله بن أحمد الحويل 
 مقال جميل جدا جدا.




* حــُبـّبَ إليّ من الكتب: السير والتراجم وجـُعلت قرةُ عيني في (كتب أخبار الصالحين) من سلف هذه الأمة.

* فكنتُ أعجبُ _ولا ينقضي عجبي_ من تسامقِ مراتب القوم في العبادة، وتسامي درجاتهم في الإيمان، وغرائب أحوالهم في الزهد
ثم لا ألبثُ إلا أن أردد كما كان إمامُ أهل السنة أحمد بن حنبل يردد: أين نحنُ من هؤلاء!!

* وطفقتُ أبحثُ جاهداً عن (مكنون) دواخلهم، و(مصون) طواياهم، و(مكتوم) ضمائرهم.

* أفتشُ عن (السر) الذي حوته (خزائنُ صدورهم) فأوصلهم لهذه المقامات الرفيعة لعلّ (قلوبنا) تصلحُ بما(صلحت) به قلوبُ هؤلاء العظماء فنصلُ لبعض ما وصلوا إليه من الأحوالِ الإيمانية السامقة.

* ثم مرّ بي كلامُ بكر بن عبدالله المزني عن صدِّيق هذه الأمة:
(والله ماسبقهم أبوبكر بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيء وقرَ في قلبه)!!
فزاد شغفي لمعرفةِ هذا (الشيء) الذي وقرَ في قلبه رضي الله عنه فـ(فاقَ) به الأمة.

* ثم قرأتُ في سيرة الإمام مالك فاستوقفتني مقولةٌ للإمامِ ابن المبارك رحمه الله:
مارأيتُ رجلاً ارتفع مثل مالك بن أنس ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له (سريرة)!! 
ولما سئل رحمه الله عن إبراهيم بن أدهم فقال: له فضل في نفسه، صاحب (سرائر)!!
فزاد حرصي على استبثاث (سر) القوم والسعي في استكشاف (مكنونهم).

* وبقي هذا (الهاجسُ) يمورُ في فؤادي وبينما أنا على هذا الحال إذ بي أقرأ حديثاً نبوياً كريماً طار به قلبي فرحاً وطفحتْ لأجله روحي سروراً أظهر لي ماكان خافياً، وأذاع لي ماكان كاتماً، وأبان لي ماكان مبهما.ً
هل أنت مستعدٌ لمعرفة (السر) الذي سيغيّر حياتك؟؟

* يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: {صلح أول هذه الأمة بالزهد و(اليقين)، ويهلك آخرها بالبخل والأمل} رواه الطبراني وأحمد في الزهد وصححه الألباني.

* هل أدركتَ الآن ما (الشيء) الذي وقرَ في قلب أبي بكر وما (السرُ) الذي ارتفع به أمثال مالك وإبراهيم بن أدهم والحسن البصري وأحمد بن حنبل؟؟
إنه (اليقينُ) يا سادة.

* اليقين الذي قال عنه العالمُ الرباني طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله:
(اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وفيه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمـّر العاملون).

* اليقين الذي يقول عنه ابن مسعود رضي الله عنه:
(الصبرُ نصف الإيمان، واليقينُ الإيمان كله). 

* ياضيعةَ الأعمار في (أعمال كثيرة) أجهدنا فيها جوارحنا خلتْ من (اليقين) فقلّ نفعها، وضعف أثرها
إنّ اليقينَ هو (روحُ) أعمالِ القلوب، وأساسُ عباداتِ البواطن.

* لذا كان السلفُ يتعلمونه ويحثـــّون على تعلمه يقولُ خالد بن معدان:
(تعلموا اليقين كما تتعلمون القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه). 

* هل تريدُ من حسناتك -حتى لو قلـــّتْ- أن تكفر كبائرك وتمحو عظائمك ؟؟
إذاً تفقــــّد (يقينك)
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية:
(والحسنةُ الواحدةُ قد يقترن بها من الصدق واليقين مايجعلها تكفر الكبائر)،
ويعلمنا أبو ذر رضي الله عنه حقيقةً مهمة:
(ولمثقالُ ذرةٍ من برٍّ من صاحب تقوى ويقين = أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين).
وينبهنا الإمام الغزالي رحمه الله إلى أن: (قليلاً من اليقين، خيرٌ من كثيرٍ من العمل).

* هل دعوتَ الله كثيراً فلم ترَ بوادرَ إجابة ولم تشهدْ علاماتِ قبول ؟
إذاً تفقــــّد يقينك
يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة} رواه الترمذي وحسنه الألباني.

* هل أتعبتك لواعجُ الدنيا وأمضـّتْ فؤادك مصائبُ الحياة؟؟
إذاً تفقــــّد (يقينك)
فاليقين سببٌ رئيسٌ في (تهوين) المصائب و(تخفيف) البلايا.
(ومن اليقين ماتهوّن به علينا مصائب الدنيا) رواه الترمذي.

* هل أضناك البحث عن (السعادة)، وأعياك العثور على (الطمأنينة)..؟!
إذاً تفقــــّد (يقينك)
فاليقين من مثبتات (السعادة) في الروح، ومقويات (الطمأنينة) في القلب.
ودعني أضربُ لك مثالاً يوضح لك المعنى:
لو أنّ رجلاً فقيراً معدماً كثيرَ العيال هدّتْ كاهله الديون، وسال لبؤسه ماءُ العيون
ثم أخبروه أن (عمه المغترب) في بلادٍ أوربية قد ماتَ وخلّف ثروةً طائلةً تقدر بـ(100) مليون دولار وليس له وريثٌ إلا هو ..!! 
لكنّ إجراءات حصر الإرث والورثة ونقل الثروة ستتأخر قليلاً ولن يستلم الثروة إلا بعد (سنة كاملة).
أخبرني الآن:
كيف سيعيشُ هذه السنة؟ ويحيا أيامَ هذا العام؟
لا شك أنه سيكونُ مسروراً جداً، مطمئناً جداً، فرحاً جداً رغم أنه مازال بعدُ فقيراً معدماً لكنّ (يقينه) بأنه بعد سنة سيصبحُ غنياً جعل قلبه مستقراً بالسعادة ومشعـّاً بالطمأنينة.
وكذلك (يقين) المؤمن بما أعدّه الله له في الجنة؛ سيجعله سعيداً مطمئناً مهما كان فقره وبلاؤه.

* هل فكرتَ يوماً أن تصبح من (أئمة) الدين ومن (رموز) الإسلام ..؟!
إذاً عليك ب(اليقين) لتحقيق حلمك هذا؛  فربنا يقول: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
يقول ابن تيمية رحمه الله: بالصبر واليقين تــــُنال الإمامة في الدين.
وصدق رحمه الله فالصبر يسدُّ منافذَ الشهوات
واليقين يسدُّ أبوابَ الشبهات
ومن أغلق هذين البابين استحقّ مرتبة (الإمامة في الدين).

* هل تاقتْ نفسك لإتقان عبادة (التفكر) وإحسان مهارة (التدبر)..؟! 
إذاً تفقــــّد (يقينك)
فاليقين يجعلك تنتفع بآياتِ الله المقروءة، وتعتبر بآياتِ الله المنظورة.
فالأولى (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
والثانية (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ).

* اليقينُ أيها المؤمن يعينك على حسن الامتثال لأحكامِ الله؛ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

* وقبل ذلك وبعده: اليقين يصحّحُ توحيدك فلا توحيدَ إلا به؛ {منْ لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله (مستيقناً) بها قلبه فبشره بالجنة} رواه مسلم.

* وبعدُ ياسادة:
هذا هو (اليقينُ) الذي سيغيّر حياتكم ويعظم عباداتكم وتجدون به آثاراً عظيمة من القبول والاستجابة للدعاء والتوفيق والبركة والطمأنينة في القلب والنجاح في الحياة
فلا شيء كاليقينِ: {فلم يؤتَ أحدٌ قط بعد (اليقين) أفضل من العافية} رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

* فلنبادرْ لتعلمه والتفقه في معانيه والسعي لتحقيقه.
منقول